مركز الفضل لصيانة وحفظ التراث المخطوط.. قصة نجاح العتبة العباسية في صون الذاكرة الوثائقية
موقع قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة
2025-07-11
في خطوة نوعية للحفاظ على الإرث المعرفي والديني، باشرت العتبة العباسية المقدسة منذ أكثر من عقد مشروع ترميم الكتب والمخطوطات والوثائق القديمة، مستندة إلى معايير علمية وتقنية رفيعة المستوى، شكّلت نواةً لمشروعٍ مؤسسيّ طموح لحماية الذاكرة الثقافية العريقة.
تأسيس البنية التحتيّة لحفظ التراث:
بدأت العتبة المقدّسة منذ عام 2006م بجمع الكتب الحجرية والمطبوعة القديمة، إضافة إلى المخطوطات والوثائق التاريخية العائدة لها، والتي كانت موزّعة في أماكن متفرقة داخل أروقتها. وقد مثّل هذا الجمع خطوة أولى في مشروعٍ متكامل لحماية هذا الإرث الثمين من التلف والاندثار.
ولتوفير بيئة مناسبة لحفظ هذه النفائس، أُنشِئت قاعة حصينة ومؤمّنة خُصّصت حصرياً لخزن المخطوطات والوثائق، رُوعي في تجهيزها الالتزام بأحدث المعايير الدولية في مجال الحفظ. فقد زُوّدت القاعة بأجهزة مراقبة متطورة، ومنظومة ذكية لإطفاء الحرائق، وكاميرات حديثة، فضلاً عن أجهزة تحسس عالية الدقة لضبط الحرارة والرطوبة، بما يضمن ظروف خزن مثالية تحمي المواد من عوامل التلف البيئي والزمني.
التدريب والتأهيل المهني:
لم تكتفِ العتبة العباسية بتأمين البنية التحتية المناسبة، بل عمدت إلى بناء القدرات الفنية لكوادرها. إذ خضع فريق متخصّص لعدّة دورات تدريبيّة محلية ودولية في مجالات حفظ وصيانة ومعالجة المخطوطات والوثائق، شملت الطرائق البايولوجية والكيميائية للفحص والمعالجة، إضافة إلى آليات التعقيم والحفظ الوقائي.
وقد أسهم هذا التدريب في بناء فريق محترف ومؤهل، بات اليوم يشكّل ركيزة أساسية في مشروع صيانة التراث الوثائقي والمخطوط في العتبة المقدسة، يتولى مهامه ضمن مركز الفضل لصيانة وحفظ التراث المخطوط والأرشيف الوثائقي التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة المقدسة.
أهمية المشروع:
وتنبع أهمية هذا المشروع من كونه يسدّ فراغاً كبيراً في مشهد حفظ التراث الوثائقي في العراق، لا سيّما بعد ما تعرّض له من ضياع وتلف بسبب الحروب والإهمال لعقود طويلة. وتُعدّ هذه المبادرة من العتبة العباسية جزءًا من مسؤولية حضارية وثقافية، تهدف إلى حفظ ذاكرة الأمة وصون تراثها الفكري والديني من التلاشي، وإعادة الحياة إلى ما اندثر من صفحات المعرفة.
وفي هذا السياق، قال السيد عقيل الياسري، رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية: "إن تأسيس مركز الفضل لصيانة وحفظ التراث المخطوط والأرشيف الوثائقي كان نتيجة شعور عميق بالمسؤولية تجاه الإرث الفكري والديني الذي تختزنه العتبة المقدسة. عملنا على بناء بنية علمية متكاملة، واهتممنا بتأهيل كادر متخصص ليضطلع بمهمة صيانة هذا التراث بما يليق بمكانته وقيمته الحضارية".
وأضاف: "نحن مستمرون في تطوير هذا المشروع ليكون مركزًا مرجعيًا في حفظ ومعالجة المخطوطات على مستوى العراق والمنطقة، ونسعى لتعزيز التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والمكتبات العالمية المتخصصة بهذا المجال".
وبهذا المشروع الريادي، تؤكد العتبة العباسية المقدسة التزامها الراسخ بالحفاظ على الذاكرة المعرفية للأمة، من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وتطوير الكفاءات الوطنية، واتباع أرقى الأساليب العلمية في التوثيق والمعالجة. ويظلّ هذا المشروع شاهدًا على أن حماية التراث ليست مسؤولية الماضي فقط، بل هي استثمارٌ في الوعي الحضاري للمستقبل.